كان أوباما واضحاً بشأن رأيه القائل بأن الولايات المتحدة يجب أن تتحدث مع إيران، كما كان النظام الإيراني من ناحيته واضحاً هو الآخر في إشارته في عدد من المناسبات إلى استعداده للحديث مع واشنطن، على الرغم من أنه كان كثيرا ما كان يُرفق مثل تلك الإشارات بعبارات تخلو من المجاملة، أويضمنها شروطاً تحد من احتمال إجراء محادثات بين الدولتين. في الوقت الراهن، هناك مداولات بين أعضاء فريق أوباما، حول ما إذا كان من الأنسب الانتظار إلى ما بعد انتهاء الانتخابات الإيرانية القادمة لإطلاق الحوار بين الدولتين، خوفاً من أن يؤدي إطلاقه الآن إلى تعزيز حظوظ الرئيس الحالي الانتخابية، وعلى أمل أن يؤدي مثل هذا الانتظار في النهاية إلى التعامل مع خاتمي الرئيس السابق الأكثر اعتدالًا، الذي أعلن مؤخراً أنه يسعى إلى ترشيح نفسه مرة أخرى لمنصب رئيس الجمهورية. ولكن الحجة القوية التي يتبناها المعارضون لخيار الانتظار هي تلك المتعلقة بالبرنامج النووي الإيراني الذي يواصل تقدمه. ففي رأيهم إنه إذا كان السبب الُملح والرئيسي من الحوار بين الدولتين هو منع إيران من مواصلة برنامجها، والحصول على القنبلة، فإن كل شهر سيكون في هذه الحال له قيمته. ربما تكون أسهل طريقة - وأسرعها بالتأكيد- لإطلاق حوار مع إيران، والأقل احتمالاً بالتالي للتأثير بشكل سلبي، لا يخدم مصالح أميركا، في الانتخابات الإيرانية المقبلة، هي تلك التي تتمثل ببساطة في التوقف عن خيار عدم الحديث مع طهران. فعلى مدى ثلاثين عاما تقريباً، كان الدبلوماسيون الأميركيون مقيدين في خياراتهم بشأن متى وأين يمكن أن يتحدثوا مع نظرائهم الإيرانيين. وهذا الوضع يمكن معالجته إذا قام الرئيس بتفويض وزيرة الخارجية لرفع هذا الحظر. والأمر سهل للغاية، ويمكن أن يتم على النحو التالي: سواء كان الدبلوماسي الذي سيضطلع بهذا الأمر هو سفيرة أوباما للمنظمة الأممية" سوزان رايس"، أو مبعوثه الخاص لأفغانستان وباكستان "ريتشارد هولبروك" ( عندما يكون في زيارة إلى كابول أو إسلام أباد)، أو المساعد السابق لوزيرة الخارجية "كريستوفر هيل" (عندما يصل إلى بغداد كي يحل محل السفير"رايان كروكر")، أو أي دبلوماسي أميركي آخر، فإنهم يجب أن يزودوا بتعليمات مؤداها أنهم يمكن أن يعتبروا أنفسهم أحراراً من الآن فصاعداً في مشاغلة الإيرانيين، تماماً مثلما يفعلون مع ممثلي الدول الأخرى، التي تقوم بينها وبين الأمم المتحدة علاقة مضطربة. ضمن هذا السيناريو، سوف يعمل كل دبلوماسي أميركي ضمن إطار التعليمات، والمسؤوليات التي يعمل بموجبها حالياً. وهو ما ينطبق أيضا على الإيرانيين الذين سيتحدث الدبلوماسي الأميركي معهم. هذه بالطبع ليست صيغة للتوصل إلى"صفقة كبرى" تعالج جميع الشكاوى التي يحتفظ بها كل طرف ضد الطرف الآخر، أو تفي باحتياجات كل طرف من الطرفين. فمن غير المرجح أن تؤدي أي اتصالات محدودة من هذه النوعية إلى تحقيق اختراقات في المدى القريب. ولكن إذا تحقق تقدم حقيقي من خلال تلك الاتصالات، فإن كل طرف من الطرفين سيكون بحاجة حينئذ إلى تأسيس قناة خاصة وسرية يمكن من خلالها وضع جميع الموضوعات التي تهم البلدين على طاولة المفاوضات. وسوف يكون من الأسهل للغاية تأسيس، والمحافظة على، هذا النوع من القنوات إذا ما تم ترسيخ مبدأ الاتصالات المباشرة وتحديد الآلية التي تتم وفقها تلك الاتصالات. إن التفويض بإجراء مناقشات بين المسؤولين الأميركيين والإيرانيين بطرائق عديدة، سيؤدي إلى تمهيد الطريق أمام إجراء اتصالات شاملة، وذات شأن، وعلى مستوى أعلى في نهاية المطاف. والاتصالات الرسمية من هذا النوع ستمكن كل طرف من قياس نيات الطرف الآخر، ومصالحه ومجالات مرونته المحتملة على نحو أكثر دقة. وهذه الاتصالات يمكن أن تسهل التعاون العملي في مجالات بعينها تقع ضمن المصالح المتبادلة، حتى لو ظلت نقاط الاختلاف الرئيسية من دون حل، وإنْ كان من غير المرجح أن يصبح أي من الطرفين راغباً الآن في الذهاب بعيداً في هذا الاتجاه. وإنشاء، والاحتفاظ بقناة خلفية سرية موثوق بها بين واشنطن وطهران، سيكون أسهل كثيراً في رأيي إذا كان هناك عدد من القنوات العلنية الأمامية قد تأسس بالفعل، ولم يعد يثير بالتالي تعليقات كثيرة من قبل الآخرين. وأرى كذلك أنه ليس هناك أي نوع من المفاوضات يمكن أن يسفر عن نتائج، إذا كان الطرفان يجدان نفسيهما مضطرين إلى عقد مؤتمر صحفي في كل مرة يجتمعان فيها، كما كان الحال خلال المناسبات القليلة نسبياً الذي اجتمع فيها مبعوثون أميركيون وإيرانيون خلال السنوات الأخيرة. فالحوار الحقيقي قد لا يتسنى إطلاقه أبدا، إذا ما كان يستدعي قيام أحد الطرفين بتقديم تنازلات كبرى مسبقة حتى يتم إطلاقه. ربما يكون الوقت الذي يجب فيه تبادل المراسلات الرئاسية، وإجراء الاجتماعات المباشرة التي تتم وجها لوجه قد أزف، ولكن هذا الوقت، ليس هو النقطة التي يجب البدء منها. ففي رأيي أن إزالة الحواجز التي تقف عائقاً أمام الاتصالات الدبلوماسية الروتينية بين مسؤولي البلدين الذين يتحدثون انطلاقاً من السياسة الحالية لبلديهما هو الوسيلة الأيسر، والأقل خطورة لعبور العتبة الفاصلة بين عدم الحديث، إلى الحديث. فضلاً عن أنها توفر إمكانية إطلاق الحوار الآن، مع القيام في الوقت نفسه بتأجيل المبادرات عالية الوضوح، وعالية المخاطر، إلى ما بعد انتهاء الانتخابات الإيرانية القادمة. جيمس دوبنز أول مبعوث خاص لإدارة بوش إلى أفغانستان يدير حالياً مركز السياسة الدفاعية والأمنية الدولية بمؤسسة"راند" ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"